تنسب البلد التي يقع فيها إلى اسمه… ومنه كانت تدار شؤون الحياة المدنية هناك في زمن ما… فكان نبراساً للعلم ونقطة لانطلاق الحجيج، ومكاناً لتسهيل الحياة … إنها قصة وقف بدأ بأربع رجال وانتهى بأمة…
قبلَ قرونٍ ثمانيةٍ وفي قلبِ الصحراءِ الممتدةِ الحارقةِ حَطَّ أربعةُ رجالٍ رَحْلَهُم فوقَ الرمالِ، وهناك شيَّدوا مسجداً وجعلُوه وَقْفاً يُذكَرُ فيه اسمُ الله، وحوْلَه بَنَوا منازلَهم، فتقاطرَ الناسُ مِنْ حولِهِم، وكأنَّ وقفَهم هذا كانَ مصدرَ حياةٍ.. وبدأتْ بذورُ الحضارةِ تَنبُتُ بينَ رمالِ الصحراءِ، ليُصبحَ المكانُ مَنبَتَ التجارِ والعلماءِ واسماً تُعرَفُ به موريتانيا وأهلُها اليومَ، فيقالُ عنها بلادُ الشِنقيط…
لمْ يكنِ المسجدُ مخصَّصاً للصلاةِ والعبادةِ فحسْبُ، بلْ كانَ يديرُ شؤونَ الحياةِ في المدينةِ التي سُمِّيتْ باسمِه، ومنه كانَ منطلَقُ الحُجاجِ إلى بيتِ اللهِ الحرامِ في رحلةٍ كانَ مقدارُها سنةً بينَ الذهابِ والعَودة.
ومنْ وَقفِ مسجدِ شنقيطَ ولدت أوقافٌ أخرى على الماءِ والآبارِ والأغنامِ والنخيل، للحُجاجِ وعابري السبيلِ ولطلبةِ العِلمِ الذينَ يُؤمِّنُ المسجدُ لهم بينَ أركانِه المأوَى والمَبِيت…
كان أكثر من مسجد للصلاة، كان مكان للإعمار، وتسهيل الحياة
وحتى يومِنا هذا لا يزالُ المسجدُ على طبيعتِه قائماً بحجارتِه وطينِه ومنارتِه ذاتِ التصميمِ المميز
وكأنَّ الزمنَ تجاوزَه ولمْ يلتفتْ إليه، وحتى يومِنا هذا مازالَ المصلونَ فيه يفترشونَ الحَصى كما فعلَ مَنْ سبقُوهم على مدى قرون…
ما يزالُ مسجدُ شنقيطَ ماثِلاً ومُدَلِلاً على الأثرِ الذي يتركُه الوَقْفُ… أثرٌ ينفعُ الناسَ وقد لا تَمحُوه أزمانٌ ولا سنون.