رغم أنها أحسن الدور… وأكثرها زينة وجمالاً وحسن عمارة… لم يجعلها دار سكنه وحكمه… بل كانت وجهاً من وجوه الخير ووسيلة لنشر الصحة بين أفراد الرعية… إنها قصة وقف السلطان المريني للبيمارستان المسمى باسمه
في طريقها إلى الأندلس مرت القافلة القادمة من الحجاز على فاس في المغرب، تنظر حاجياتها، وتتهيأ لركوب البحر، وبينما تزور القافلة المدينة؛ إذ بفوج السلطان المريني أبو يعقوب يوسف الناصر، فتبعته حتى وصل إلى دارٍ هي جوهرة البناء الأندلسي صنعة وجمالا قد رصعت (فاس) بها كما يرصع السيف الدمشقي بالذهب..
لم تكن الدار مثل بقية الأبنية في فاس، فالدار ذات الطابقين متقنة النقوش، محكمة الزخارف، يتوسطها ساحةٌ كبيرة تحوي أصناف الفاكهة، وأربع بركٍ في وسط إحداها رخام، أوقفها السلطان لتكون داراً للمرضى، فجعل فيها الفرش النفيسة من أنواع الصوف والكتان وأنواع الأقمشة بما يزيد عن الوصف ويأتي فوق النعت..
ولم تكن المستشفيات حينها قد انتشرت بطرازها هذا بعد؛ لكن السلطان أبو يعقوب جعل من دار المرضى هذه نبراساً للحضارة الوقفية، ومثالاً يحتذى بالإحسان للمريض؛ حيث جعل فيها قسماً للصيادلة يحضرون فيه الأدهنة والأشربة والأكحال، حتى إذا شفي المريض أُعطي مبلغاً من المال ينفق منه ريثما يستقل…
وعلى الرغم من كثرة انشغال السلطان؛ كان إذا فرغ من صلاته كل جمعة خرج إلى الدار فعاد المرضى فيها، فكان يخرج على الحال التي رأته عليه القافلة، ولم يزل مستمراً على ذاك حتى توفي سنة 595ه.
رحل السلطان أبو يعقوب وأرخت القافلة مرساتها في الأندلس مسدلةً الستار عن إحسان آخر يظهر عظمة الوقف وأهميته عبر التاريخ الإسلامي