قلوب ملأتها الرحمة… وأيادٍ سخرها الله لتمسح عن الوجوه والجباه ما علق بها من غبار الفقر والقحط… وتربت على أكتاف المكلومين والمعسرين، فكان الوقف الذي داوى جراحهم وجفف دموعهم وأهداهم حياة أخرى
أرسلت الصحراء آخر بناتها من الريح نحو المدينة المنورة وما حولها سنة 1351 للهجرة، فأمسكت الأرض زرعها واستسلمت لموسم جافٍ أهلك الدواب وشرّد أهل البادية بين المدن..
أضحت البادية حول مدينة رسول الله خاويةً على عروشها، لا إنس فيها ولا جان، حتى الطيور الجارحة عافت المرور في سماءها..
لم تكن هجرة أبناء البادية إلى المدينة المنورة عن طيب خاطر، بل دخلوها كسيري الجناح حزناً على من فقدوهم، خلال أيام القحط، ولم يكن لهم عزاءٌ إلا أنهم أووا إلى جوار رسول الله..
حطت العوائل أمتعتها على مقربة من المسجد النبوي، يرقب بعضهم مقدم قريبه، وآخرون يرقبون عوناً من أهل المدينة..
كان الوافدون الجدد ينظرون إلى وجوه بعضهم وقد أنهكها الجوع والتعب، تروي التجاعيد حول جفونهم أياماً من الأرق وساعات من البكاء والنحيب..
حتى إذا أتى تجار المدينة جادوا بما فتح الله عليهم؛ إلا أن أحدهم وهو الشيخ عبد الغني دادا تنبه لوجود عدد كبيرٍ من الأيتام بينهم، فأصبح يدور بينهم مذهولاً يسأل عن حالهم، أيتركُ لهم مبلغاً كبيراً؟ فماذا إن نفد؟، أيستأجر بيتاً يؤويهم؟، أم يجعل عليهم وصيّاً يتبصّر أحوالهم بين الفينة والأخرى؟
همّه أمر الأيتام فعاد إلى داره يعمل عقله في فكرة توفر للأيتام المسكن والتعليم؛ فقدحت في رأسه فكرة إنشاء دار تؤوي هؤلاء الأيتام وتعلمهم من الحرف والمهن والعلم ما يعينهم على كسب معيشتهم إذا اشتدّ عودهم، فأرسل إلى الملك عبدالعزيز رحمه الله يطلب الإذن بإنشاء هذه الدار؛ فلما ردّ الملك بالإيجاب سارع لبناء المدرسة وافتتاحها عام 1352 ه، فكانت هذه المدرسة “دار أيتام الحرمين الشريفين والصنائع الوطنية”…
وكان وقف خير امتد عطاؤه حتى يومنا هذا