أحبوا الخير فصنعوه على أمور قد لا تخطر على بال… حتى الأشياء التي قد تبدو غير ذات قيمة مادية قد يكون الوقف عليها جبراً للقلوب والخواطر…
كان إذا طلع الصباح على دمشق أعطى كل سيد خادمه إناء فامره بإحضار حاجيات البيت، فيركض الصبي مسرعاً بين القوم علّه ينال رضى سيده إذا نفذ أمره بالسرعة القصوى، وبينما يركض غلامٌ في أحد أزقة دمشق، إذ سقط على وجهه فانكسرت آنية كانت بين يديه، وعلى الرغم من ألمه والجرح النازف في يده؛ إلا أن الصبي كان يبكي خوفاً من عقاب سيده، فبدل ان يحضر بالآنية ما طلب سيعود بها مكسورة..
وكيف يعود بآنية مكسورة لسيده فيُكسر قلبه وعظمه، ولكون هذه الحادثة كثيرة الحدوث في أزقة دمشق؛ فقد عمد رجل من أهل المدينة إلى مالٍ له فجعله وقفاً للأواني المكسورة، فإذا كسر صبي إناءً؛ أخذ بشقفه وتوجه نحو صاحب وقف الأواني، فإذا رآها صاحب الوقف دفع للغلام ما يشتري به مثل تلك الآنية، فكان وقاية للغلام من كسر خاطره..
لم تكن الاواني ذات قيمة عالية حتى يُجعلَ من كسرها سبباً بإنشاء وقف أو غضب سيد، لكن الوقف كما يقول ابن بطوطة أنشئ “جبراً للقلوب”، فلا يكسر قلب الصبي، ولا يغضب سيده من أمر بسيطٍ كهذا..
غابت دمشق بأزقتها القديمة عن أعيننا فلم تخبرنا باسم الرجل صاحب وقف الأواني، لكنها نقلت إلينا قصصاً تحمل بين ثناياها دروساً من الرحمة والبناء…