أثر حي من تاريخ نجد… عندما يكون الوقف إبداع
ليسَ مجردَ مسجدٍ عتيقٍ ذي صَومعةٍ جميلة، ولا قطعة منَ التاريخِ تَحكِي قصةَ وقفٍ تركَه أحدُهم للصلاةِ… إنه نموذجُ عيشٍ وحياةٍ مبنية للوقف، وأحدُ أقدمِ مساجدِ مدينة أشيقر…
في أشيقر، المدينةِ العريقةِ التي ما زالتْ تتنفسُ عَبقَ الماضي بافتخار، تمَّ بناءُ مسجدِ الفيلقية بهندسةٍ فريدةٍ ومنْ هُويةِ المدينةِ وطينِها، منارتُه صُمِّمتْ بهندسةٍ شِبهِ مربعةٍ تعكسُ فنَّ التصميمِ العِمرانيِّ المتميزِ الذي عرفتْه نجدُ منذُ القِدَم، يَسطعُ نورُه منْ وقفِ هذه القناديلِ التي تُضيءُ جنباتِه، بينَ القصبِ والطينِ تُشدُّ الأعمدةُ مكانَها لحملِ الأقواسِ المثلثةِ، كلُّ شيءٍ بالمسجدِ وقفٌ، كانتْ هذه الساحةُ يتبارى فيها الواقفونَ على طلبةِ العلمِ وتفطيرِ الصائمين، وبداخلِ الجامعِ بئرٌ عميقةٌ متصلةٌ بإمدادِ الماءِ إلى قاعةِ الوضوء، تمَّ وقفُه لتوفيرِ مياهِ الشربِ والسَّقْيِ أيضا.
النخيلُ هنا وُضِعتْ وَقفاً كذلكَ على إمامِ المسجدِ والمشايخِ منْ مأكلٍ ومشربٍ ورواتبَ، حتى الغرباءُ في أشيقر، لهُم مكانٌ منَ الوَقف، حيثُ توجدُ غرفةٌ خاصةٌ باستضافتِهم وإيوائِهم إلى حينِ شَدِّ الرِحالِ منْ جديد.
يُعرَفُ المسجدُ بأكثرَ منْ فضاءٍ للصلاة؛ المصلَّى الداخلي، والمصلَّى الخارجيّ، ومصلَّى تحتَ الأرضِ يسمَّى الخلوةَ، يكونُ أكثرَ دِفئاً، تمَّ تصميمُه خصيصاً للصلاةِ في فصلِ الشتاء
مسجدُ الفيلقيةِ أثرٌ حَيٌّ منْ تاريخِ نجدَ الجميلِ، مكانٌ ينبضُ بالعطاءِ وقيمِ الخَير، بذرةُ وقفٍ مباركةٌ ما زالتْ مثمرةً إلى اليوم